الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جعل الله الأهلة مواقيت للناس فصوموا لرؤيته، وافطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يومًا».وأخرج أحمد والطبراني وابن عدي والدارقطني بسند ضعيف عن طلق بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جعل الله الأهلة مواقيت للناس فإذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين».وأما قوله تعالى: {وليس البر بأن تأتوا البيوت} الآية.أخرج وكيع والبخاري وابن جرير عن البراء قال: كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره، فأنزل الله: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها}.وأخرج الطيالسي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن البراء. كانت الأنصار إذا حجوا فرجعوا لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها، فجاء رجل من الأنصار فدخل من بابه، فقيل له في ذلك، فنزلت هذه الآية.وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن جابر قال: كانت قريش تدعي الحمس، وكانوا يدخلون من الأبواب في الإِحرام، وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الإِحرام، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بستان إذ خرج من بابه، وخرج معه قطبة بن عامر الأنصاري فقالوا: يا رسول الله إن قطبة بن عامر رجل فاجر، وإنه خرج معك من الباب فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: رأيتك فعلته ففعلته كما فعلت. قال: إني رجل أحمس. قال له: فإن ديني دينك. فأنزل الله: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها} الآية.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن رجالًا من أهل المدينة كانوا إذا خاف أحدهم من عدوّه شيئًا آخر فأمن، فإذا أحرم لم يلج من باب بيته واتخذ نقبًا من ظهر بيته، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كان بها رجل محرم كذلك، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بستانًا، فدخله من بابه ودخل معه ذلك المحرم، فناداه رجل من ورائه: يا فلان إنك محرم وقد دخلت مع الناس. فقال: يا رسول الله إن كنت محرمًا فأنا محرم، وإن كنت أحمس فأنا أحمس. فأنزل الله: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها} إلى آخر الآية. فأحل للمؤمنين أن يدخلوا من أبوابها.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قيس بن جبير النهشلي أن الناس كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا حائطًا من بابه ولا دارًا من بابها، وكانت الحمس يدخلون البيوت من أبوابها، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه دارًا، وكان رجل من الأنصار يقال له رفاعة بن تابوت فتسوّر الحائط، ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما خرج من باب الدار خرج معه رفاعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حملك على ذلك؟ قال: يا رسول الله رأيتك خرجت منه فخرجت منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني رجل أحمس. فقال: إن تكن رجلًا أحمس فإن ديننا واحد، فأنزل الله: {وليس البر} الآية.وأخرج ابن جرير عن الزهري قال: كان ناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء يتحرجون من ذلك، وكان الرجل يخرج مهلًا بالعمرة فتبدو له الحاجة فيرجع ولا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف الباب أن يحول بينه وبين السماء، فيفتح الجدار من ورائه، ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته فتخرج إليه من بيته، حتى بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل زمن الحديبية بالعمرة، فدخل حجرة، فدخل رجل على أثره من الأنصار من بني سلمة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إني أحمس. وكان الحمس لا يبالون ذلك، فقال الأنصاري: وأنا أحمس. يقول: وأنا على دينك. فأنزل الله: {وليس البر} الآية.وأخرج ابن جرير عن السدي قال: إن ناسًا من العرب كانوا إذا حجوا لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها كانوا ينقبون في أدبارها، فلما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوادع أقبل يمشي ومعه رجل من أولئك وهو مسلم، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم باب البيت احتبس الرجل خلفه وأبى أن يدخل. قال: يا رسول الله إني أحمس. وكان أولئك الذين يفعلون ذلك يسمون الحمس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا أيضًا أحمس فادخل، فدخل الرجل، فأنزل الله: {وأتوا البيوت من أبوابها}.وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي في الآية قال: كان الرجل من أهل الجاهلية إذا أتى البيت من بيوت بعض أصحابه أو ابن عمه رفع البيت من خلفه أي بيوت الشعر ثم يدخل، فنهوا عن ذلك وأمروا أن يأتوا البيوت من أبوابها، ثم يسلموا.وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال: كان الرجل إذا اعتكف لم يدخل منزله من باب البيت، فأنزل الله: {وليس البر} الآية.وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: كان أهل يثرب إذا رجعوا من عيدهم دخلوا البيوت من ظهورها، ويرون أن ذلك أدنى إلى البر، فأنزل الله الآية.وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في الآية قال: كان الرجل في الجاهلية يهم بالشيء يصنعه فيحبس عن ذلك، فكان لا يأتي بيته من قبل بابه حتى يأتي الذي كان هم به وأراده. اهـ.
وسُمِّي هذا الكوكب هلالًا؛ لارتفاع الأصوات عن رؤيته، وقيل: لأنه من البيان، والظهور، أي: لظهوره وقت رؤيته بعد خفائه، ولذلك يقال: تهلَّل وجهه: ظهر فيه بشرٌ وسُرُورٌ، وأنْ لم يكُنْ رفع صَوْتَهُ، ومنه قول تَأَبَّطَ شَرًّا: الكامل: وقد تقدم أنَّ الإهْلاَلَ: الصُّرَاخُ عند قوله: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله} [البقرة: 172].وفِعَالٌ المضعَّف يطَّرد في تكسيره أَفْعِلَة كأَهِلَّةٍ، وشذَّ فيه فِعَلٌّ؛ كقوله: عِنَنٌ، وحِجَجٌ، في عِنَان، وحِجَاج.وقدَّر بعضهم مضافًا قبل {الأَهِلَّة} أي: عن حكم اختلاف الأهلَّة، لأنَّ السؤال عن ذاتها غير مفيدٍ؛ ولذلك أُجيبوا بقوله: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج} وقيلك إنهم لمَّا سألُوا عن شيء قليل الجدوى، أُجيبوا بما فيه فائدةٌ، وعدل عن سؤالهم، إذ لا فائدة فيه، وعلى هذا، فلا يحتاج إلى تقدير مضافٍ.و{لِلنَّاسِ} متعلِّقٌ بمحذوف؛ لأنه صفةٌ ل {مَوَاقِيتُ} أي: مواقيتُ كائنةٌ للنَّاسِ.ولا يجوزُ تعلُّقُه بنَفْس المواقيتِ؛ لما فيها من معنى النقل؛ إذ لا معنى لذلك.والمَوَاقِيتُ: جمع ميقَاتٍ؛ رَجَعَتِ الواوُ إلى أصلها؛ إذ الأصل: موقاتٌ من الوَقْتِ، وإنَّما قلبت ياءً؛ لكسر ما قبلها، فلمَّا زال موجبه في الجمع، رُدَّت واوًا، ولا ينصرف؛ لأنه بزنة منتهى الجموع.فإن قيل: لم صرفت قوارير؟ قيل لأنَّها فاصلةٌ وقعت في رأس الآية الكريمة فنوِّن، ليجري على طريقة الآيات كام تنوَّن القوافي في مثل قوله: الوافر: والمِيقَات: منتهى الوقت؛ قال تبارك وتعالى: {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ} [الأعراف: 142] والهلال: ميقات الشَّهر؛ أي: منتهاه، ومواضع الإحرام: مواقيت الحجِّ؛ لأنَّها مواضع ينتهى إليها، وقيل: الميقات: الوقت؛ كالميعاد بمعنى الوعد.قوله: {والحَجِّ} عطفٌ على النَّاس قالوا: تقديره: ومواقيتُ الحَجِّ، فحذف الثاني؛ اكتفاءً بالأوَّل.وقيل: فيه إضمارٌ، تقديره: وللحَجَّ كقوله: {وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تسترضعوا أَوْلاَدَكُمْ} [البقرة: 233] أي: لأولادكم.وقرأ الجمهور {الحَج} بالفتح في جميع القرآن الكريم إلا حمزة والكسائيَّ وحفصًا عن عاصم، فقرءوا {حِجُّ البيت} [آل عمران: 97] بالكسر، وقرأ الحسن، وابن أبي إسحاق بالكسر في جميع القرآن، وهل هما بمعنًى واحدٍ، أو مختلفان؟ قال سيبويه: هما مَصْدَرَانِ؛ فالمفتوح كالرَّدِّ والشَّدِّ، والمكسورُ كالذِّكر، وقيل: بالفتح: مصدرٌ، وبالكسر: اسمٌ.قوله: {وَلَيْسَ البر بِأَن تَأْتُواْ} كقوله: {لَّيْسَ البر أَن تُوَلُّواْ} [البقرة: 177] وقد تقدم؛ إلا أنه لم يختلف هنا في رفع البِر؛ لأنَّ زيادة الباء في الثاني عيَّنت كونه خبرًا، وقد تقدَّم لان أنَّها قد تزاد في الاسم.وقرأ أبو عمرو، وحفصٌ، وورشٌ {البُيُوت} وبَيُوت و{الغُيُوب} و{شُيَوخًا} بضمِّ أوَّلها؛ وهو الأصل، وقرأ الباقون بالكسر؛ لأجل الياء، وكذلك في تصغيره، ولا يبالى بالخروج من كسر إلى ضم؛ لأنَّ الضمة في الياء، والياء بمنزلة كسرتين؛ فكانت الكسرة التي في الباء كأنها وليت كسرةً، قاله أبو البقاء رحمه الله.و{مِنْ} قوله: {مِنْ ظُهُورِهَا} و{مِنْ أَبْوَابِهَا} متعلقةٌ بالإتيان، ومعناها ابتداءُ الغاية، والضميرُ في {ظُهُورِهَا} و{أَبْوَابِهَا} للبُيُوت، وجيء به كضمير المؤنثة الواحدة؛ لأنه يجوز فيه ذلك.وقوله: {ولكن البر مَنِ اتقى} كقوله تبارك وتعالى: {ولكن البر مَنْ آمَنَ} [البقرة: 177] يعني: تقديره: بِرُّ مَنْ آمَنَ كَمَا مَضَى؛ ولمَّا تقدَّم جملتان خبريتان، وهما: {وَلَيْسَ البِرُّ} {وَلَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقَى} عطف عليهما جملتان أمريتان، الأولى للأولى، والثانية للثانية، وهما: {وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} {واتَّقُوا اللَّهَ} وفي التصريح بالمفعول في قوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} دلالةٌ على أنه محذوفٌ من اتَّقَى، أي اتَّقَى الله. اهـ. باختصار.
|